“لم يتضمن الاتفاق الموقع مع مؤسسات الإقراض نصا واضحا وصريحا يجبرها على تخفيض فوائدها للقروض الممنوحة من أموال المشروع الإيطالي”.
تستقبل مكاتب مؤسسات الإقراض الصغير والمتوسط التسعة في فلسطين والموزعة فروعها على المدن والبلدات يوميا مئات المواطنيين الراغبين بالحصول على قروض صغيرة بشروط ميسرة لسد حاجاتهم الاستهلاكية غالبا، أو لتمويل مشاريع إنتاجية قد تدر دخلا عليهم.
وتُعرف مؤسسات الإقراض على أنها مؤسسات مالية غير ربحية تهدف للمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية والحد من الفقر والبطالة في المجتمع، جمهورها الفئات التي لا تستطيع الحصول على القروض من البنوك. لكن في حقيقة الأمر هي مؤسسات ربحية لا تختلف عن البنوك التجارية في شروطها وفوائدها التي تصل إلى 30٪.
في تموز من عام 2014 وقع وزير الخارجية رياض المالكي مع وزيرة الخارجية الإيطالية آنذاك فردريكا موغريني مذكرة تفاهم لتنفيذ برنامج مساعدة بقيمة 21 مليون و800 الف يورو، يستهدف خلق فرص عمل للخريجين وللفئات المهمشة في الأراضي الفلسطينية.
من الجانب الفلسطيني، كان صندوق التشغيل والحماية الاجتماعية هو الجانب المنفذ للبرنامج الذي حمل عنوان "Start Up Palestine". والصندوق هو مؤسسة ذات شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة تم تشكيلها بمرسوم رئاسي عام 2003، إلا أنها فُعّلت على المستوى التنفيذي أواخر عام 2011، ويعمل فيها 12 موظفا.
وحسب مذكرة التفاهم تنقسم المساعدة إلى: 20 مليون يورو كقرض بفائدة صفرية يرد لإيطاليا بعد 21-32 عام، ويقدم بشكل رئيسي كقروض لإنشاء أو تطوير مشاريع صغيرة ومتوسطة، ومنحة غير مستردة بقيمة مليون و800 ألف يورو كمساعدة تقنية لتطوير القدرات في هذا المجال.
وبالتفصيل حسب المذكرة، يتم تطبيق البرنامج على مراحل: في المرحلة الأولى يقدم الإيطاليون 7 ملايين يورو للصندوق، الذي بدوره يقدمها لمؤسسسات إقراض صغير ومتوسط. وبعد منح الأخيرة قروضا بما نسبته 80% من الأموال للجمهور يتم تطبيق المرحلة الثانية وهي 7 ملايين أخرى تمنح لذات المؤسسات.
في حين يتم تقديم 3 ملايين يورو لاتحاد جمعيات التوفير والتسليف المعنية بدعم وتعزيز دور المراة الاقتصادي، و3 ملايين يورو يتم الاحتفاظ بها كضمان للقروض الممنوحة من مؤسسات الإقراض في حال تعثر السداد.
أما فيما يخص المنحة المخصصة للمساعدة التقنية بقيمة مليون و800 ألف، فسيتم تقديم 700 الف منها لصندوق التشغيل للاستفادة منها في تطوير قدراته في حين سيدير مكتب التعاون الإيطالي المليون و100 الف يورو المتبقية.
في شهر شباط الماضي من هذا العام قام الصندوق بتنفيذ المرحلة الأولى بتوزيع 7 مليون يورو على 5 مؤسسات إقراض صغير، باتفاقية مدتها 3 سنوات قابلة لتجديد، وهي: المؤسسة الفلسطينية للإقراض والتنمية (فاتن)، وشركة أكاد، وشركة أصالة للإقراض، وشركة فيتاس، وشركة الإبداع للتمويل المتناهي الصغر.
لكن لم يتضمن الاتفاق الموقع نصا واضحا وصريحا يجبر الشركات على تخفيض فوائدها لهذه الأموال بنسب معينة، بل طولبت فقط بتخفيضها عن بقية برامجها.
زياد كرابليه، مدير الصندوق الفلسطيني للتشغيل، صرح بأن الصندوق طلب من المؤسسات أن لا تزيد نسبة فوائدها عن الـ5 إلى 6 بالمئة، لكنه استدرك بأن "جزء من المؤسسات قد لا تلتزم كوننا في نظام سوق حرة ولا نستطيع فرض أمر كهذا على المؤسسات وهذا أمر لا تسمح به سلطة النقد".
توجهت معدة التقرير لكل مؤسسة من هذه المؤسسات على حدة كمقترضة ترغب بإنشاء مشروع جديد بالاستفادة من أموال البرنامج الإيطالي، واتضح أن لا برامج خاصة لهذا التمويل الايطالي سواء بشروط مختلفة او بنسبة فوائد أقل عما هي برامجهم الأخرى، بل إن معظم موظفي المؤسسات ليس لديهم علم بالمشروع، كما لم يتم الإعلان عنه للعملاء بأي شكل من الأشكال.
الأمر الذي تنبه له صندوق التشغيل مؤخرا، وشرع بطباعة منشورات سيتم توزعها على المواطنين لإعلامهم بالمشروع وكذلك بإعلانات عبر الصحف والإذاعات.
وتتراوح نسبة الفوائد لدى مؤسسات الإقراض على القروض الانتاجية ما بين 6.5% و18% سنويا وهي فائدة عالية، يبررها المختصون بتكاليف الإقراض المرتفعة ونسبة المخاطرة العالية.
أي انك في حال حصلت على قرض بحجم 6 آلاف دولار لبدء مشروعك الصغير ستسدد خلال 4 سنوات ما نسبة 26% - 32% من القرض كفوائد (أي ما قيمته 1560 إلى 1920 دولار) على أقل تقدير.
وتطلب المؤسسات ضمانات شبيهة بتلك المطلوبة بالبنوك مثل كفلاء بنكيين أو شيكات وكومبيالات.
لكن لماذا يتم تقديم برنامج مساعدات للشعب الفلسطيني من خلال مؤسسات ربحية؟
يجيب مدير برنامج وحدة التنمية التابعة للقنصلية الإيطالية ماركو أزاليني بأنه لتقديم قروض حسب القانون الفلسطيني ليس هناك إلا عنوانين، هما البنوك ومؤسسات الاقراض الصغير والمتوسط. وكون البنوك تطلب ضمانات أكثر تم توجيه الدعم إلى هذه المؤسسات عبر اتفاقيات مع الصندوق الفلسطيني للتشغيل.
واعتبر أزاليني، إن نسب الفوائد لدى هذه المؤسسات، وفي فلسطين عموما، غير عالية، قائلا: "فائدة بنسبة 15% على قرض صغير حجمة 1000 دولار ليست فائدة عالية، لكن نفس النسبة لقرض بمليون دولار تعتبر فائدة عالية". مشيرا إلى أن للمؤسسات مصاريف تشغيل ونسب مخاطرة عالية عالية، وأن أحد أهداف المشروع إنعاش سوق الإقراض الصغير والمتوسط.
وحول إنشاء مؤسسة خاصة تقوم بإدارة هذا البرنامج، قال إن الأمر يتطلب موافقة سلطة النقد وإجراءات وفترة زمنية ليست بالقصيرة لإتمامه.
أستاذ العلوم المالية والمصرفية في جامعة النجاح خالد زيدان يوافق أزاليني الرأي بصعوبة إنشاء مؤسسة إقراض خاصة بالمشروع، لكنه يخالفه بكون الفوائد غير عالية، مشيرا إلى أن الفوائد في فلسطين تفوق إسرائيل ودول الجوار.
ويقترح زيدان لتلافي تحكم مؤسسات الإقراض بالفائدة تصميم اتفاقية محكمة مع مؤسسة إقراض أو أكثر ليتم إلزامها بتقليل الفوائد بشكل ملحوظ.
من جانبه، حمّل أنور الجيوسي، مدير مؤسسة فاتن وهي أكبر مؤسسات الإقراض الصغير والمتوسط في فلسطين، وزارة العمل وصندوق التشغيل مسؤولية عدم إلزام المؤسسات بمستوى فائدة منخفض.
وأكد أن مؤسسته، التي حصلت على 3 مليون دولار بالمرحلة الأولى من المشروع، منحت قروضا بفائدة 6.5%، في حين تصل فوائد بعض المؤسسات الأخرى إلى 18% على ذات المشروع.
في حين قالت ريم عبوشي مديرة مؤسسة أصالة التي حصلت على مليون ونصف المليون دولار من المشروع، إنها منحت قروضا بفائدة تتراوح ما بين 6.5% إلى 10% سنويا.
يجيب مدير برنامج وحدة التنمية التابعة لقنصلية الإيطالية ماكرو أزاليني بأنه لتقديم قروض حسب القانون الفلسطيني ليس هناك إلا عنوانين، هما البنوك ومؤسسات الاقراض الصغير والمتوسط. وكون البنوك تطلب ضمانات أكثر تم توجيه الدعم إلى هذه المؤسسات عبر اتفاقيات مع الصندوق الفلسطيني للتشغيل.
واعتبر أزاليني ان نسب الفوائد لدى هذه المؤسسات غير عالية، قائلا: "فادة بنسبة 15% على قرض صغير حجمة 1000 دولار ليست فائدة عالية، لكن نفس النسبة لقرض بمليون دولار تعتبر فائدة عالية". مشيرا إلى ان للمؤسسات مصاريف تشغيل عالية.
وحول إنشاء مؤسسة خاصة بإدارة هذا البرنامج، قال إن الأمر يتطلب موافقة سلطة النقد الفلسطينية وإجراءات وفترة زمنية ليست بالقصيرة لإتمامه.
في مكتب أحد مؤسسات الإقراض التقت معدة التقرير بسيدة خمسينية تنتظر دورها لاستلام قرض إنتاجي بقيمة 3 آلاف دولار، وعند سؤالها عن مشروعها اجابت بأنها اخذت القرض لمساعدة ابنها بتسديد دين، كون الفوائد على القروض الإنتاجية أقل نسبيا من تلك الاستهلاكية، وانها استطاعت التلاعب على المؤسسة في الأمر.
فهل خضعت القروض الممنوحة للمستفيدين من الأموال الإيطالية للمتابعة والرقابة من قبل مؤسسات الإقراض؟
المؤسسات تؤكد أنها تفعل، يقول محمد عليان منسق شبكة مؤسسات الإقراض الصغير والمتوسط، إن كل المشاريع تخضع لمتابعة ودراسة جدوى قبل منحها.
وعند سؤاله: هل كانت فترة شهرين كافية لدراسة قروض صغيرة بمبالغ اجمالية تصل لعدة ملايين يورو، متوسط حجم القرض (بين 500 و40 ألف دولار) اي قد يصل عدد القروض لأكثر من ألف قرض؟ يجيب عليان: أغلب هؤلاء الزبائن لديهم مشاريع قائمة أو مشاريع جديدة تمت دراستها خلال الشهرين أو قبل ذلك.
يقول الباحث د. محمد دودين، بناء على دراسة أعدها، إن معظم مؤسسات الإقراض ليس لديها هدف تنموي، وليس لديها دراسات جدوى قبل تقديم القروض، ولا تحليل مخاطر ولا متابعة للمشاريع الانتاجية.
ويضيف دودين الذي أجرى قبل عامين دراسة بعنون "قطاع التمويل الصغير في فلسطين: الإطار القانوني وتنفيذ عقود القرض" لصالح معهد ماس: "أحيانا يكون التمويل عاملا مدمرا للفرد وليس عاملا للإنتاج".
ويوضح أن أهم ما لاحظه في دراسته لأوضاع هذه المؤسسسات أن معظمها ليس لديها إدارة للقروض التي تمنحها فهناك سعى لتحقيق أكبر فائدة وربح بغض النظر عن الفوائد التي سيتحصل عليها المستهلك.
وانتقد دودين نسب الفائدة المرتفعة جدا في هذه المؤسسات مشيرا إلى أن هناك مغالطة قانونية واقتصادية في عملها: القانونية أنه من خلال قانون الربى الفاحش للعام 1946 بإمكان أي موطن محاكمتهم واسترداد مبلغ الفائدة إذا زاد عن الحد الأعلى وهو 9%.
أما السؤال الاقتصادي، حسب دودين، فهو: كيف نرجو تنمية اقتصادية مستدامة بالوقت الذي نحمل فيه المقترض فائدة تتجاوز الـ30 بالمئة من قيمة قرضه لمشروع قد ينجح وقد يفشل؟ وفي حال نجح المشروع هل ربحه سيغطي حجم الفوائد الكبيرة؟
يقول ازاليني إن وجود فائدة على برنامج المساعدة من بلاده للشعب الفلسطيني هو بهدف تدوير الأموال وجعل الناس أكثر جدية والتزاما بتسديد القروض.
يحصل صندوق التشغيل على نسبة 2% كفائدة سنوية متناقصة عن الأموال التي أعطاها لمؤسسات الإقراض (حوالي 100 ألف يورو سنويا عن المرحلة الأولى فقط(.
كرابليه قال إن المبالغ المقتطعة غير كبيرة وهي لتغطية بعض المصاريف الإدارية ولتغطية مصاريف برنامج خدمات الأعمال الذي سيقدم بالمستقبل لتدريب وتوجيه للمواطنين المستفيدين من القروض وبرامج أخرى.
ذلك رغم أن منحة بقيمة 700 ألف يورو خُصصت لمصاريف التشغيل والدعم الفني للصندوق، تَسلم منها حتى الآن حوالي 150 ألف يورو، صرفت كالتالي حسبما أشار أزاليني: 80 ألف يورو لخبراء ومستشارين ماليين، و20 ألف يورو في نشاطات إعلانية و50 ألف يورو كمصاريف تشغيلية.
وأوضح مدير وحدة التنمية الاقتصادية في القنصلية الإيطالية أن نسبة 2% ستحفظ لدى الصندوق لمنحها في مراحل لاحقة كبرامج تكميلية لدعم مشاريع مميزة لبعض الفئات المهمشة.
وأشار إلى أن دراسة مالية أجريت في جامعة بيرزيت حول المساعدة قالت بأن منح مؤسسات الإقراض الأموال بدون فائدة سيكون له أثر سلبي على قطاع الإقراض الصغير والمتوسط في الأراضي الفلسطينية.
لكن، أستاذ العلوم المالية والمصرفية خالد زيدان يرى إن المستفيد الأول من البرنامج الإيطالي من خلال تنفيذه بهذه الطريقة هو مؤسسات الإقراض الخمسة.
ويوضح: بالنسبة للمواطن لم يتأثر كونه دفع الفائدة المعتادة لدى هذه المؤسسات، أما المؤسسة ذاتها فقد حصلت على قرض بفائدة 2% بدل أن تتجه للبنوك التي تقرضها بفوائد تتراوح بين 4-5% .
كرابليه يرد بأن الحكم على المشروع الآن يعد تسرعا كونه لم يمض إلا 3 أشهر على بدء تطبيقه، وكون الصندوق ينمي بتجربته ويستخلص العبر لتدوير الأموال خلال العشرين سنة القادمة بأفضل شكل يفيد المواطن.
ويقول مراقبون إنه بالرغم من حجم المساعدات الكبير الذي استقبلته الأراضي الفلسطينية منذ بدء العملية السلمية منذ 20 عاما، إلا ان هذه الأموال لم تنجح بخلق تنمية حقيقية في فلسطين، الأمر الذي يعزوه البعض لغياب الدراسات والخطط التنموية الكافية.